Wednesday 28 March 2012

القيم من وراء مهنة تصميم الجرافيك



يعد تصميم الجرافيك كباقي تخصصات التصميم جزءا مهماً في حياتنا ، فهو مطبق في اغلب مناحي الحياة ومرتبط بأغلب العلوم الأخرى كالفنون التشكيلية والعمارة والفلسفة والتسويق واللغة والبلاغة والادب والعلوم والسياسة والاقتصاد وعلم الإجتماع .
مثل هذه العلاقة تتقاطع وتجعل من تصميم الجرافيك سلطة اقتصادية من خلال نفوذه في التجارة والتسويق حيث يعد احد اهم عوامل تحقسق نجاح المنافسة وكسب رهانها وخاصة حين تكون بيئة المنافسة مرتكزاً الى اهمية وظيفته وقيمته العملية. وما يمثله كل من المنتج او الخدمة من قيمة تمثيلية متميزة ترتكز الى دور التصميم المهم والحيوي في تحقيق حالة الاتصال عبر تأثيره العاطفي والرمزي مابين المنتح او الخدمة والجمهور المستهدف. بالتركيز على الحالة النفسية للجمهور بدغدغة عواطفه وتحفيزه على اتخاذ القرار الارادي في التغير ايجابا اتجاه المنتج او الخدمة. معتمدا في ذلك على معرفة المصمم المسبقة والمستندة الى قراءته الصحيحة لملخص طلب التصميم من الزبون او مديره الفني. معرفته للجمهور المستهدف و ذوقهم، خبرتهم و معرفتهم، وضعهم الاجتماعي والاقتصادي والنفسي حتى يمكنهم من الاختيار تحت تأثير تصميمه.

هذه هي اهمية وقيمة تصميم الجرافيك لنا جميعاً، ليس للتسويق والترويج فقط بل اهميته كقوة ثقافية واداة من ادوات التأثير الاجتماعي بعيداَ عن الترويج والسياسة والصحة والرياضة وغيره. فهو يؤثر على تصرفات الناس ومعتقداهم الاجتماعية سواء في تصميم الملصق او اللافتات الخارجية فهو يوجه الناس في حركتهم وفي التعليم عمل على تطوير وسائل التعليم والتعلم البصرية وادواتهما. كل ذلك من خلال توفيره لاداة الاتصال البصري التي قد تؤثر على السلوك الاجتماعي للناس وتغيره.
والمصمم هو الباعث لهذه الحالة الابداعيةالتفاعلية الهادفة من خلال مساهمته بافكاره التي لا بد لها ان تتوافق مع متطلبات مجتمعه عبر معرفة احتياجاته وتعزيز اقتصاد زبائنه.
المصمم يطرح افكاراً وينقل رسالة لحث الجمهور وتحفيزه على التغيير مما يشكل سلوكا اجتماعيا وتنبوء بمتغيراته مستقبلاً.
هل يدرك مصمم الجرافيك ذلك؟

هل يدرك ضرورة ان يكون ممنهجاً ومنضبطاً لتغذية واقعيته وليصنع افكارا ابداعية مستندة الى توقعات عامة الناس. ليجعل افكاره هذه حاملة لمجموعة متنوعة من الاعتبارات ذات الطابع الابداعي والعملي والاجتماعي في آن واحد دون أي تدخل لميوله او اعتباراته الشخصية.  
وان نشاط المصمم نشاط مزدوج بين الابداع والتكيف مع احتياجات هذا الابداع ومتطلباته وهذا ما يدعو الى رفع مستوى القيم في تصميم الجرافيك، وفي نفس الوقت يجعل من مهمة مصمم الجرافيك " الحقيقي" مهمة شاقة خاصة عندما تتعارض رؤيته الفنية مع المعايير الاجتماعية. فالمصمم غايته ارضاء الجمهور المستهدف دون وضع نفسه في سجن من النماذج والافكار المألوفة والروتينية التي تسقط ويسقط معها مصممها. لانها تخلوا من اية جهد بحثي ومعرفي وتحليلي مما يجعلها نمطية.
يتطلب من المصمم ذهن واعي ومتفتح و ثقافة شاملة تمكنه من النظر بعيداً لما وراء الافق. مستفيداً من التحديات والمعيقات والصعوبات بحدسه المهني المرتكز الى القراءة السابقة والبحث والتحليل والتغذية الراجعة ليتمكن من التفكير خارج الصندوق. قادرا على ابداع مبتكر والتأثير والتحفيز ليصبح مصمما ذو استباقية اجتماعية في وضع حلول بصرية كونه يعيش في عمق المشكلة البصرية لتحقيق غايات انسانية، من خلال كافة وسائط الاتصال البصري. 
المصمم هو فكر استراتيجي وهذا ما يميز المصمم الحقيقي في المهنة.





التدريب الميداني والملكية الفكرية

مع ازدياد أهمية تصميم الغرافيك في الوسائط المتعددة، ومنها المطبوع والمرئي الرقمي، تزداد فرص العثور على وظيفة مصمم غرافيك، والتي تكاد تكون موجودة أكثر من أي وقت مضى، إلا أنها تتوقف على مستوى مؤهلات الخريج ومهاراته، خاصة وأن كل صناعة تعتمد على خدمة محددة مقدمة من مصمم الغرافيك، سواء كان في إنتاج المواد المطبوعة أو تصميم الصور والنصوص الإلكترونية.

ووكالات الدعاية والإعلان والتصميم التي توظف مصممي الغرافيك، تأمل منهم إيجاد حل للمشاكل البصرية بأسلوب بلاغي وظيفي؛ تلك الموجودة في تصميم الغرافيك، والتي تتطلب استخدام أنجع وسيلة للتواصل عبر رسالة محددة، سواء من خلال المطبوعات، أو الفيلم والوسائط الإلكترونية، أو من خلال شبكة الإنترنت.

وتختلف الواجبات الوظيفية لمصممي الغرافيك تبعا لنوع الحقل الذي يعملون فيه. فقد نجد العديد من المصممين يمارسون مهام من حيث التصاميم تخدم الترويج أو العرض للمنتج أو الخدمة، ويمكن أن تكون على شكل لافتة أو علبة أو شعار أو بروشور. وقد يكون عملهم على شبكة الإنترنت، وتطوير مواد لصفحات الويب ووسائل الإعلام التفاعلية والوسائط المتعددة.

المناهج الدراسية لبرامج تصميم الغرافيك عادة ما تشمل الفن التشكيلي، ومبادئ التصميم والفنون الحرة، والنشر المكتبي والتصوير الرقمي، ورسومات الحاسوب، والرسوم المتحركة (فلاش)، والطباعة وتقنياتها، وتصميم العبوة، وتصميم وسائط التسويق والإعلان. هذا بالإضافة إلى التدريب والتأهيل الفكري والعملي وتلك المهتمة بتصميم الغرافيك، والتي تعتمد على الإبداع من خلال البحث والتحليل، والقدرة على الإدارة والعمل ضمن الفريق، والتواصل الجيد وامتلاك مهارات مكتسبة لحل المشاكل، والقدرة على التكيف مع المتغيرات.

ومن ثم، فإن التدريب الميداني لم يقر لكي يحتسب فقط ضمن ساعات الخطة الدراسية، وأن يكون مهمشاً من قبل بعض المؤسسات الأكاديمية والمهنية. والتهميش يأتي من اللامبالاة، كما هو جلي في عدم تهيئة الطالب في السنوات التي ينهيها قبل تأهله لمرحلة التدريب الميداني، والاصطدام بواقع يكاد يكون مجهولا رغم بساطته، ما أدى أيضا إلى عزوف بعض المؤسسات الجادة عن قبول الطلبة الراغبين في التدرب.

التدريب الميداني هو الفرصة الفريدة للطالب والمؤسسة لتقييم المهارات والمؤهلات المكتسبة من العملية التعليمية، وأهمها آلية إنتاج الفكرة وتطويرها وتنفيذها، والعمل ضمن الفريق، والعمل في بيئة مرتبطة بالزبون وضغط العمل، ومتطلبات مراحل ما بعد التصميم، والبلاغة اللفظية في التعبير عن فكرة العمل وفلسفته. وبالتالي إغناء ملف الطالب بأعمال إضافية غير المنفذة داخل المؤسسة الأكاديمية.

لا بد من تطوير آلية خاصة لمخاطبة المؤسسات والشركات داخل قطاع صناعة التصميم من قبل المؤسسات الأكاديمية التي تبعث بطلبتها إليها. وعلى الجانب الآخر، تعزيز الثقة ما بين القطاع الصناعي للتصميم وعدد من المؤسسات الأكاديمية، وتأكيد الشراكة الحقيقية، والتي تفرض ضرورة إعطاء الفرصة وخلق دور للكوادر المتميزة ضمن قطاع التصميم (فكرا وعملا وأداء)، من خلال النشاط المنهجي واللامنهجي. وهذا لن يتحقق إلا باليقين بأن نتائجه ستنعكس إيجابا على أداء أقطاب هذه الشراكة واقتصاد الوطن. فليس من المنطقي أن تبقى حالة الإقصاء قائمة بين الأقطاب في التعليم والتدريب والتي يدفع ضريبتها الطالب.

عدد المؤسسات الأكاديمية التي ترسل طلبتها للتدريب الميداني كبير جدا، وعدد الطلبة المتقدمين أكبر، وهذا يكون فجأة وقبل أسابيع من بداية المساق الخاص بالتدريب الميداني. والحقيقة أن عدد المؤسسات الجادة والراغبة في التدريب يكاد يكون محدودا (وهذه التي تعي دورها وأهميته في عملية التدريب الميداني).

وهذا التدفق الغزير للطلبة قد يربك المؤسسات. والجزء الأكبر من الطلبة يتوزع بين المؤسسات التي تلهث وراء تدريب "س" أو "ص" شكلا وجنسا، أو للقهوة والشاي وأعمال السكرتارية. وهناك من يقبض ثمن التقرير المقدم للمؤسسة الأكاديمية عن الطالب بتقدير ممتاز، دون دوام مثبت للطالب داخل المؤسسة، إضافة الى مجموعة أعمال من المؤسسة تضاف إلى ملف المتدرب على أنها انجازه. يضاف إلى ذلك مواجهة الطلبة بغياب المؤهلين لتقديم المعلومة في عملية التدريب، أو الفوقية في التعامل، خاصة ممن امتلكوا الخبرة العملية دون تعليم، وذلك لعدم الوعي بالفرق بين المصمم المتخرج من المؤسسة الأكاديمية والمصمم المنفذ.

إن التدقيق في أداء العملية التدريبية داخل القطاع الصناعي يحمل المسؤولية للمشرف الأكاديمي وعدم اكتراثه لمسار العملية التدريبية وحقيقتها وجديتها لتحقيق أهدافها وغاياتها، كما عدم وجود متابعة ومراقبة جادة. والطالب في غياب الجدية في الأداء والمراقبة يلهث وراء العلامة، والتي لا يعي حقيقتها إلا عند جلوسه في البيت عاطلا عن العمل.

وعدم وضوح الأهداف والغايات للعملية التدريبية، ومدى جدية المؤسسة في تحقيقها، تعطي مبررا لبعض المؤسسات في قطاع التصميم للاستهتار.

مثل هذا الوضع يتطلب تنسيقا رسميا لوضع قواعد شراكة أكاديمية مهنية، كما هي عليه في الدول المتقدمة، وعلى قاعدة رفع مستوى التعليم في وطننا الحبيب على أساس المشاركة الفاعلة لا الندية. فلا بد من إيجاد لغة مشتركة تدفع العملية التدريبية لأن تأخذ دورها المنوط بتحقيق أهدافها وغاياتها.

هناك بعض المؤسسات ( قليلة العدد) التي تسمح لنفسها باستغلال الطلبة المتميزين بالتحايل عليهم من خلال الاشتراط بتنفيذ بعض الأعمال على قاعدة قبولهم أو رفضهم للالتحاق بالتدريب. والبعض قد رفض الطلبة واستخدم أعمالهم، والبعض يلجأ إلى تسجيل أعمالهم كحق شخصي، والبعض نجح والبعض الآخر واجه عقبات لن أتطرق إلى تفاصيلها وذلك لكونها ثغرة ناتجة عن عدم تدريس مفهوم وضوابط وأشكال الملكية الفلكية، مع أنها إحدى أهم القضايا التي يتطلب من المصمم إدراكها ووعيها.

لا بد من عقد ورش عمل من قبل المؤسسات المختصة بالملكية الفكرية داخل المؤسسات الأكاديمية للفنون والتصميم خاصة، لتوعية الطلبة بالملكية الفكرية، والتنسيق فيما بينهما لسد الهوة والوصول إلى آلية تفاهم، أو من خلال طلب رسالة تغطية من المؤسسة الأكاديمية تفيد بأن هذا العمل هو من وحي إبداع الطالب وتم الإشراف عليه. مع ضرورة فهم الجهات المختصة لخصوصية الفن والتصميم ودور المصمم ووظيفة العمل المراد تسجيله وغاياته. وبهذا نضع حداً للتلاعب ونحمي الطالب المبدع. لأن إدراك الطلبة لحقيقة الملكية الفكرية يعزز مبدأ الرقي في الإبداع على المستوى الأكاديمي والمهني