Wednesday 18 May 2011

انعدام الإحساس بالإبداع عند البعض من طلبة التصميم

ساعدتني معرفتي على قراءة إحداثيات تدريس التصميم في اغلب جامعاتنا الى جانب احتكاكي الدائم بالكليات جعلني على علم ومعرفة بما يعتقده البعض من الطلبة وبعض الأكاديميين إلى جانبهم. حيث يعتقد أن الإبداع هو حالة فطرية في حين يرى آخرون انه يكتسب بالتعلم وأركز هنا على " التعلم" وليس الدراسة. الفطرة والتعلم في الحقيقة أمران ضروريان على حد سواء في التصميم بكل إشكاله الجرافيك أو الداخلي او الصناعي وغيره. وهذا يعتمد في الحقيقة على بيئة الطالب قبل دخوله الجامعة او الكلية وكذلك أسلوب تنشئته ، كلاهما يلعبان دورا هاما في بناء غرائزه الإبداعية. في العادة نحن نولد بقدرات متساوية نسبيا، باختلاف محدود في نضوج هذه القدرات . وما تحتاجه هذه القدرات هو رعايتها بشكل صحيح من أجل جني ثمارها.

دعوني اقر هنا أن جميع مصممي الجرافيك، أياً كان مستواهم صغيراً أو كبيراً، يملكون مستوى محدد من الإبداع المختزن في داخلهم وهذا الإبداع لن يكون أبدا مطلقا ثابتا. فهو قابل للتطور بشرط عدم وجود معوقات واقعية تمنع عنه مصادره المتوفرة والمتعددة عن أداء دورها في تحفيز الإبداع لدى المصمم إلى مستويات تفوق الخيال.

وهناك مستويات محددة لتحفيز الإبداع وعلى الطالب أن يعرف أين يقف من هذه المستويات ومن اين يبدأ. الملاحظ أن في جامعاتنا وكلياتنا معضلات قد تعيق هذه المستويات ومنها :

- الطريقة التي يقيم بها تخصصي الفنون والتصميم من قبل الجهات المسؤولة عنه والتي على اساسها يتم قبول الطلبة في هذا التخصص.

- عدم وجود ثقافة اسمها "ثقافة التصميم" (بتخصصاته) في المدرسة والمجتمع ومعرفة بدور التخصص والمصمم كمنتج.

- الهروب الى هذا التخصص من قبل بعض الطلبة لعدم تمكنهم من دراسة التخصص الذي يرغبونه.

- غياب امتحان القدرات الحقيقي.

- غياب الاستراتيجية التي ترتبط بمتطلبات السوق المحلية.

- تدريس التخصص في بعض مؤسساتنا الأكاديمية كموضة يقبل عليها البعض.

- زيادة في التدريس وقلة في الأكاديميين الممارسين خاصة في الجرافيك.

تجعل هذه المعضلات الطالب المتمكن واقعا تحت تأثير النمطية و الروتين، لغياب روح وبيئة المنافسة الحقيقية. حيث ان النسبة العظمى من الطلبة اتت لتدرس وليس لكي تتعلم. بعضها لا يريد ان ينفذ تمارين مكثفة فهذا اجهاد ولا يريدون اتباع اصول العملية التصميمية في البحث والتصنيف والعرض والتقييم والانجاز النهائي والفعلي فهم لا يقدرون على اتباع او الالتزام بمثل هذا النظام. لا يريدون العمل داخل المرسم او المختبر ولايريدون ان يثقل كاهلهم بحمل الادوات ومتطلبات المادة. لذلك نجد البعض يريد ان يعمل في البيت وان ياتي لتسليم عمله في اليوم المقرر.

لهذا، وللأسف ان تم تفحض بعض مؤسساتنا الاكاديمية ستجدون جدرانها واللوحات الاعلانية مزينة بعدد كبير من اعلانات الانذار الاولى والثانية والنهائية لتمادي الطلبة بالغياب. البعض يريد ان يغطي النسبة المسموح بها والآخر يقول جهرة لا احد يستطيع حرماني او" بتمُر".هذه جميعها معوقات للابداع.. لأن حامل الابداع لم ياتي لتكويره ولا يريد صيانته وتطويره. ومن لديه الرغية الحقيقية في تحفيزهذا الابداع محاط بالمحبطين و مجهد. فكيف لبيئة يغيب عنها النظام بمفهومه الشامل وحالة التنافس الابداعي ضمن بيئة اكاديمية سليمة ان يبدع.

عند تفحص مستويات الابداع نجدها كالآتي:

عندما نستقبل الطالب في السنة الأولى فهو كالرضيع في وضعه, حيث تكون حالة الإبداع لديه في مستوياتها الأولى وهنا يتطلب منه معرفة أساسيات التصميم، وهو يكاد يكون معدم معرفيا، ولا يملك أدنى خبرة او معرفة في التخصص. وان عرف الاسس البدائية مع تخرجه من المدرسة سيكون هذا الأمر جيداً. لهذا يكون غياب المعرفة بالتخصص وقلة الخبرة سبباٌ في محدودية الإبداع لديه.

المرحلة التالية وفي الوضع النموذجي هي الفترة التي يدفع الطالب بطاقاته لبديء المرحلة الحقيقية. يدخل في مرحلة العصف الذهني والبدء بالمرحلة التنفيذية مرتكزاً على مهاراته الإبداعية ومدى تطورها وزيادة اطلاعه لزيادة خبرته. واجباته ومهامه تتطلب منه الوقت الكبير لكي تنجز، فمحركات الخيال والإبداع لديه ما زالت باردة وغير متهيئة لتدوير عجلتها.

مرحلة تنتظم حول المتعلم الكسول.وهذه ليست بالضرورة فهمها على انها أداة تهجم وإنما أداة قياس للمستوى الذي يكون فيه الطلبة بطيئون في التقاط الأشياء لكونهم تعودوا على الحصول عليها دون عناء التفكير والتحليل بل بالتلقين وليس معرفة أساس الشيء. نعلم الجواب وليس كيف اتي هذا الجواب. ومع هذا، بعضهم يتوق للمعرفة والتعلم وتوسيع نطاق حدود الإبداع لديهم. علما بان غياب مثل هذه المهارات لا يمنحهم القدرة على معانقة الأفكار الجديدة.

الـتأييد التام، مرحلة يود جميع الطلبة دخولها مع دخولهم المجال التنفيذي في السنوات المتقدمة. يعملون على تطوير مهارات حل المشاكل وطرق الحصول على درجة عالية من الإتقان في تنفيذ الأعمال. بداية انطلاق شعلة الإبداع وخصوبته، حيث تبدأ محركات الخيال لدى الطالب بالتألق وبجنون. ومع ذلك لا بد من الحذر فهذه لا تعتبر المرحلة النهائية. لماذا لان الطالب في هذه المرحلة قد يصاب بداء الغرور كنتيجة لثقته المفرطة بنفسه وقدراته. التحدي مهم لان الطالب لا يعرف المحدودية والحرية في التخصص.

الابتكار، للأسف قليلون هم من يستطيعون الركب بهذه المرحلة، مرحلة الابتكار، أنهم يحاولون جهدهم بصعوبة. في هذه المرحلة قد يصل بعض الطلبة إلى درجة المهارة في إنتاج الأفكار ولكن تتطلب منهم توليدها بطريقة ناضجة وتنفيذها بطريقة مختلفة. ومن يصل الى هذه المرحلة،هؤلاء يتطلب احتكاك الطلبة بهم، هذا مهم ومنحهم فرصة شرح منهجهم أيضا مهم لكي يتعلم الآخرون منهم.

إتقان اللعبة، مرحلة النخبة والتميز حيث يصل الطلبة إلى مرحلة التميز والأصالة. المرحلة التي يولد فيها من يبدع ليصل إلى المفقود. فنقول عمله مفقود أي لا مثيل له. هؤلاء يبحثون عن أفضل الطرق المبتكرة للتحدي والابتعاد عن التكرار والتقليدية. قادرين على إبداع النفيس من البخس. ومع هذا فهي ليست المرحلة النهائية ولا يوجد حدود للإبداع.

بهذا يتعرف الطلبة على المستويات الإبداعية لكي يحددون وجهتهم وعلى القائمين والمشرفين على الخطط الدراسة إدراكها لصنع البيئة المناسبة والنظم الكفيلة. والتأكد من ان هذه المستويات معمول بها. و هي واضحة ويمكن فرز مخرجاتها بناءاً على مفهومها.

لا بد من أن ننتبه إلى نوع هذه البيئة التدريسية في مجال الفنون والتصميم ووضع إستراتيجية خاصة لذلك وإلا سيكون منتج معظم المؤسسات الأكاديمية بعيد عن متطلبات السوق في ظل المتغيرات المتسارعة وخوفا من أي يكونوا عوناً في زيادة حجم البطالة ان حسبنا حجم السوق الأردني وما تنتجه سنوياُ 12 جامعة و22 كلية تدرس الفنون والتصميم. الى جانب المراكز التقنية التي تدرس فن قيادة برامج التصميم وليس التصميم.

2 comments:

salmanh said...

عزيزي الدكتور عصام أبو عوض
سعدت جدا بمقالك هذه حول معوقات الإبداع لدى دارسي التصميم الجرافيكي .. قد أجد نفس الوضع ينطبق على حال التصميم الجرافيكي في سلطنة عًمان وغيرها من الدول العربية ..من خلال بحثي في هذا الموضوع قد لامست الكثير من هذه المعوقات علي عدة مستويات مستوي المنهج ومستوي المعلم ومستوي الطالب نفسه مثل ما تفضلت...لكن التحدي الاكبر في اعتقادي هو غياب ثقافه الابداع كصناعة يجب ان يروج لها علي كل المستويات بدايه من المجتمع الي المستوي الرسمي ونهاية في المقرر الدراسي الذي يتناولة الطالب ...هناك شح في الترويج لهذا الجانب ...ايضاء الطالب تنقصه بعض المفاهيم التي يجب أن تتكرس خلال الدراسة الجامعية مثل مفهوم المبادرة ومفهم الجودة في الأنتاج ومفهومه ديمومة التطور والمواكبة .غياب كل هذه المفاهيم من ذهنية الطالب غيبت الانتاج الابداعي لدي الطلبة مما حدا بهم الي النزوح الي النمطية في الانتاج والذي يجعل ربما السوق المحلي غير ملزم باستيعابهم

هذه وغيرها من الهموم أو ان اناقشها معك يوما من الايام ..اتمني ان نجد الفرصة المناسبه للقاء عزيزي الدكتور عصام

تقبل مروري

سلمان الحجري
سلطنة عمان

m7mad 3babneh said...

مقال رائع جدا يا دكتور خ باعتقادي انو استاذ الماده من اهم الأسباب في تعليم الطالب متطلبات السوق و يجب الضغط على الطالب اكثر خصوصا في المراحل الأولى من الدراسه الجامعية و تسلم دائما بتجذبنا في مقالاتك الرائعه