Wednesday 28 March 2012

التدريب الميداني والملكية الفكرية

مع ازدياد أهمية تصميم الغرافيك في الوسائط المتعددة، ومنها المطبوع والمرئي الرقمي، تزداد فرص العثور على وظيفة مصمم غرافيك، والتي تكاد تكون موجودة أكثر من أي وقت مضى، إلا أنها تتوقف على مستوى مؤهلات الخريج ومهاراته، خاصة وأن كل صناعة تعتمد على خدمة محددة مقدمة من مصمم الغرافيك، سواء كان في إنتاج المواد المطبوعة أو تصميم الصور والنصوص الإلكترونية.

ووكالات الدعاية والإعلان والتصميم التي توظف مصممي الغرافيك، تأمل منهم إيجاد حل للمشاكل البصرية بأسلوب بلاغي وظيفي؛ تلك الموجودة في تصميم الغرافيك، والتي تتطلب استخدام أنجع وسيلة للتواصل عبر رسالة محددة، سواء من خلال المطبوعات، أو الفيلم والوسائط الإلكترونية، أو من خلال شبكة الإنترنت.

وتختلف الواجبات الوظيفية لمصممي الغرافيك تبعا لنوع الحقل الذي يعملون فيه. فقد نجد العديد من المصممين يمارسون مهام من حيث التصاميم تخدم الترويج أو العرض للمنتج أو الخدمة، ويمكن أن تكون على شكل لافتة أو علبة أو شعار أو بروشور. وقد يكون عملهم على شبكة الإنترنت، وتطوير مواد لصفحات الويب ووسائل الإعلام التفاعلية والوسائط المتعددة.

المناهج الدراسية لبرامج تصميم الغرافيك عادة ما تشمل الفن التشكيلي، ومبادئ التصميم والفنون الحرة، والنشر المكتبي والتصوير الرقمي، ورسومات الحاسوب، والرسوم المتحركة (فلاش)، والطباعة وتقنياتها، وتصميم العبوة، وتصميم وسائط التسويق والإعلان. هذا بالإضافة إلى التدريب والتأهيل الفكري والعملي وتلك المهتمة بتصميم الغرافيك، والتي تعتمد على الإبداع من خلال البحث والتحليل، والقدرة على الإدارة والعمل ضمن الفريق، والتواصل الجيد وامتلاك مهارات مكتسبة لحل المشاكل، والقدرة على التكيف مع المتغيرات.

ومن ثم، فإن التدريب الميداني لم يقر لكي يحتسب فقط ضمن ساعات الخطة الدراسية، وأن يكون مهمشاً من قبل بعض المؤسسات الأكاديمية والمهنية. والتهميش يأتي من اللامبالاة، كما هو جلي في عدم تهيئة الطالب في السنوات التي ينهيها قبل تأهله لمرحلة التدريب الميداني، والاصطدام بواقع يكاد يكون مجهولا رغم بساطته، ما أدى أيضا إلى عزوف بعض المؤسسات الجادة عن قبول الطلبة الراغبين في التدرب.

التدريب الميداني هو الفرصة الفريدة للطالب والمؤسسة لتقييم المهارات والمؤهلات المكتسبة من العملية التعليمية، وأهمها آلية إنتاج الفكرة وتطويرها وتنفيذها، والعمل ضمن الفريق، والعمل في بيئة مرتبطة بالزبون وضغط العمل، ومتطلبات مراحل ما بعد التصميم، والبلاغة اللفظية في التعبير عن فكرة العمل وفلسفته. وبالتالي إغناء ملف الطالب بأعمال إضافية غير المنفذة داخل المؤسسة الأكاديمية.

لا بد من تطوير آلية خاصة لمخاطبة المؤسسات والشركات داخل قطاع صناعة التصميم من قبل المؤسسات الأكاديمية التي تبعث بطلبتها إليها. وعلى الجانب الآخر، تعزيز الثقة ما بين القطاع الصناعي للتصميم وعدد من المؤسسات الأكاديمية، وتأكيد الشراكة الحقيقية، والتي تفرض ضرورة إعطاء الفرصة وخلق دور للكوادر المتميزة ضمن قطاع التصميم (فكرا وعملا وأداء)، من خلال النشاط المنهجي واللامنهجي. وهذا لن يتحقق إلا باليقين بأن نتائجه ستنعكس إيجابا على أداء أقطاب هذه الشراكة واقتصاد الوطن. فليس من المنطقي أن تبقى حالة الإقصاء قائمة بين الأقطاب في التعليم والتدريب والتي يدفع ضريبتها الطالب.

عدد المؤسسات الأكاديمية التي ترسل طلبتها للتدريب الميداني كبير جدا، وعدد الطلبة المتقدمين أكبر، وهذا يكون فجأة وقبل أسابيع من بداية المساق الخاص بالتدريب الميداني. والحقيقة أن عدد المؤسسات الجادة والراغبة في التدريب يكاد يكون محدودا (وهذه التي تعي دورها وأهميته في عملية التدريب الميداني).

وهذا التدفق الغزير للطلبة قد يربك المؤسسات. والجزء الأكبر من الطلبة يتوزع بين المؤسسات التي تلهث وراء تدريب "س" أو "ص" شكلا وجنسا، أو للقهوة والشاي وأعمال السكرتارية. وهناك من يقبض ثمن التقرير المقدم للمؤسسة الأكاديمية عن الطالب بتقدير ممتاز، دون دوام مثبت للطالب داخل المؤسسة، إضافة الى مجموعة أعمال من المؤسسة تضاف إلى ملف المتدرب على أنها انجازه. يضاف إلى ذلك مواجهة الطلبة بغياب المؤهلين لتقديم المعلومة في عملية التدريب، أو الفوقية في التعامل، خاصة ممن امتلكوا الخبرة العملية دون تعليم، وذلك لعدم الوعي بالفرق بين المصمم المتخرج من المؤسسة الأكاديمية والمصمم المنفذ.

إن التدقيق في أداء العملية التدريبية داخل القطاع الصناعي يحمل المسؤولية للمشرف الأكاديمي وعدم اكتراثه لمسار العملية التدريبية وحقيقتها وجديتها لتحقيق أهدافها وغاياتها، كما عدم وجود متابعة ومراقبة جادة. والطالب في غياب الجدية في الأداء والمراقبة يلهث وراء العلامة، والتي لا يعي حقيقتها إلا عند جلوسه في البيت عاطلا عن العمل.

وعدم وضوح الأهداف والغايات للعملية التدريبية، ومدى جدية المؤسسة في تحقيقها، تعطي مبررا لبعض المؤسسات في قطاع التصميم للاستهتار.

مثل هذا الوضع يتطلب تنسيقا رسميا لوضع قواعد شراكة أكاديمية مهنية، كما هي عليه في الدول المتقدمة، وعلى قاعدة رفع مستوى التعليم في وطننا الحبيب على أساس المشاركة الفاعلة لا الندية. فلا بد من إيجاد لغة مشتركة تدفع العملية التدريبية لأن تأخذ دورها المنوط بتحقيق أهدافها وغاياتها.

هناك بعض المؤسسات ( قليلة العدد) التي تسمح لنفسها باستغلال الطلبة المتميزين بالتحايل عليهم من خلال الاشتراط بتنفيذ بعض الأعمال على قاعدة قبولهم أو رفضهم للالتحاق بالتدريب. والبعض قد رفض الطلبة واستخدم أعمالهم، والبعض يلجأ إلى تسجيل أعمالهم كحق شخصي، والبعض نجح والبعض الآخر واجه عقبات لن أتطرق إلى تفاصيلها وذلك لكونها ثغرة ناتجة عن عدم تدريس مفهوم وضوابط وأشكال الملكية الفلكية، مع أنها إحدى أهم القضايا التي يتطلب من المصمم إدراكها ووعيها.

لا بد من عقد ورش عمل من قبل المؤسسات المختصة بالملكية الفكرية داخل المؤسسات الأكاديمية للفنون والتصميم خاصة، لتوعية الطلبة بالملكية الفكرية، والتنسيق فيما بينهما لسد الهوة والوصول إلى آلية تفاهم، أو من خلال طلب رسالة تغطية من المؤسسة الأكاديمية تفيد بأن هذا العمل هو من وحي إبداع الطالب وتم الإشراف عليه. مع ضرورة فهم الجهات المختصة لخصوصية الفن والتصميم ودور المصمم ووظيفة العمل المراد تسجيله وغاياته. وبهذا نضع حداً للتلاعب ونحمي الطالب المبدع. لأن إدراك الطلبة لحقيقة الملكية الفكرية يعزز مبدأ الرقي في الإبداع على المستوى الأكاديمي والمهني



No comments: