لن نشكك في الحب الذي يختزنه مدرس التصميم لمهنته، نجزم بأنها قضية ثابتة كغيره من مدرسي العلوم الأخرى، فهو مدرس له نهجه الذي يعتمد الصرامة العلمية والمنفتحة على فهم مناحي كثيرة كالتاريخ والمنهجيات التي يتضمنها تعاليم الفنون والتصميم. يحاول من خلالها تطبيق وممارسة الأساليب التجريبية التي تؤمن مساحة معقولة للتعامل مع المتغيرات في الأدوات والوسائط وجمهور الفنون والتصميم وقدرتهم على التكيف معها.
مثل هذا النهج يعتبر نهجا تجريبياً يعمل على تحدي المنهجيات التاريخية في نقاط استراتيجية رئيسة مع ثبات الهدف الشخصي المتعلق بالتعليم من أجل إنتاج قادة في مجال التخصص وليس اتباع له. هؤلاء القادة يتبعون تعليمات تحاكي المعاصرة من خلال الممارسة التي تجعل من منتجهم كوادر مؤهلة نظريا وعملياً.
انه نهج مدرس جيد، مدرس يجعل من جل اهتماماته وطموحه خلق كادر مبدع ودائم التطور في حقول الفن والتصميم، ومن أولوياته كمدرس جيد تحفيز طلبته بشكل معياري، وليس اعتباريا عبر إرادته الصادرة عن عمق معرفته برغبة الطالب وحاجته والغاية التي تجعله متحفزاً للإبداع. وهذه بحد ذاتها تعتبر تحدياً للمدرس لتحديد البيئة المناسبة وتهيئتها لكي يكون الطالب عاشقا لما يقوم به ولكي يجد ذاته و يبدع بنفسه.
بالطبع لن يحدث هذا إلا إذا اتفقا على أن المدرس والطالب هما شريكان في العملية التدريسية، وبذلك يعملان كأساس محفزٍ على الإبداع والإنتاج لكليهما وإضافة إلى ذلك إيمانهما بنفسهما ودور كل منهما كمرسل ومستقبل للمعرفة، وبطبيعة الحال فإن حالة التحفيز وانطلاقها لن تبدأ إلا من داخل الطالب، وأما المدرس فهو يلعب دور المثير لهذه الطاقة الكامنة.
من مهام الطالب أن يعي أهمية تواجده الدائم وتواصله وفعاليته داخل قاعة التدريس، فهذه مهمة للمدرس حيث تعتبر أداة قياس لقدرة الطالب الفنية والفكرية التي تعكس بنفسها على إنتاجه. ولهذا نجد من الضرورة أن تتواجد نوعية خاصة من الطلبة القادرين على الشروع بالعملية الفكرية والتأملية بالممارسة خلال سنوات الدراسة. وهذه مرتبطة بأهمية اكتساب الطلبة للمعرفة الذاتية والوعي الذاتي لأساليبهم مما يمكنهم حينها على العمل ضمن حالة من الإبداع. بالحفاظ على هذه الخاصية سيضمن الطلبة بقاءهم تحت سقف حالة الإبداع الدائمة. مع ضرورة عدم اعتبارها حالة من الكمال حيث تتطلب أخلاقيات العمل أن تكون حاضرة حتى تكتمل. وهذا ما يجعلها تتقدم سلم الأولويات لكي يسلكوا طريق الاستمرار في النجاح.
مثل هذه الحالة تتطلب من المدرس إعداد الطلبة لكي يكونوا دوما في الدور الريادي والديناميكي ومن خلال الإجابة على الأسئلة التالية:
- ما هو المناسب له وللطالب؟
- ما نوعية المنتج (الطالب) المراد إنتاجه بما يكفل متطلبات صناعة التصميم؟
- ما هو المطلوب تقديمه من معرفة ومؤهلات وكيف؟
- ما هي الآلية المناسبة لتحقيق ذلك؟
في بعض الأحيان يجد المدرس نفسه في علاقة متضادة وموقف حرج بين مدرسته والمدارس الأخرى، القديمة منها والحديثة؛ بين أوروبا وأميركا على سبيل المثال، وبين واقع البيئة المحلية والثقافة والتراث. كيف له أن يوظف ذلك إلى جانب التكنولوجيا ويقدمه للطالب لكي يكون مصمماً فناناً، باحثاً ومفكرا، مدركاً وناقدا وأخيرا مستقلاً.
هذا كله يدعو إلى إعادة النظر في المناهج والخطط الدراسية لتدريس التصميم والنظر بعمق إلى المشاكل البسيطة منه والمعقدة والتي تشكل معايير وعلاقات ثابتة منها ما هو معروف وغير المعروف، الديناميكي وغير ذلك. هذه نلحظها في أساليب تدريس التصميم التقليدية وتطور التكنولوجيا. علينا الإقرار بأن الممارسة العملية ليست حالة ثابتة، وهي معقدة رغم ديناميكيتها، فهي تحتاج إلى وسائل إنتاجية استكشافية تعمل على تخفيف حدة وضعيتها الديناميكية المعقدة، وهذا ما نراه واضحاً للعيان لدى اغلب الطلبة في المستويات النهائية المتقدمة وبالتحديد ما نراه في مشاريع التخرج، بعضها لا تعكس أدوات حقيقية لحلول بصرية لمختلف المعايير التي يمكن حلها أو علاجها.إن المشكلة التي يواجهها الطلبة تكمن في التحدي الهائل لتحديد وتوضيح المعايير الخاصة بالحل للوصول إلى الحل المناسب، وهي آلية وضع حلول لحالات فنية وعملية، وتنفيذ ذلك من خلال القدرة على الرصد والتحليل أثناء عملية التفكير النظري وعكس النتائج على آلية اختيار الحلول المناسبة.
مثل هذه الحالات تعتمد من الناحية النظرية على المدرس وقدرته على تجهيز الطلبة لكي يكونوا أكثر استعدادا لمواجهة المتغيرات التي تفرض نفسها عبر تطور وسائل الاتصال والتكنولوجيا وتسليحهم بقدرة التحليل وفهم الظروف الغامضة التي ترافق عملية التصميم والتحرك بما يتناسب مع متطلبات العمل.
مثل هذه الفلسفة لن تتحقق واقعيا من خلال النظريات بل من خلال الممارسة العملية والتطبيقات المرتبطة بها. التخطيط لكل مادة مراد تدريسها والوسائل العملية والنظرية التي تحتاجها وإقحام الطالب بعملية العصف الذهني لتفعيل حالة التحليل والابتكار.
* نشر في جريدة الغد يوم 20-3-2010 /المنتدى
No comments:
Post a Comment